كان «قمة الدوحة»—قمة القمم—بحسب شهادة كل من حضرها (بل وحتى من لم يحضرها!)، أفضل قمة عربية في تاريخ القمم العربية كلّه. كما لاقَت إشادةً واسعةً من الشعوب العربية ومن الأصوات الحرة في العالم، التي سئمت من الإدانات المتكررة والخطابات الجوفاء والكلمات الفارغة التي لا تُشبع جوعًا ولا تروي ظمأً.
ومن المفارقات أن أحد أبرز أسباب نجاح هذه القمة كان انعقادها خارج مظلة جامعة الدول العربية—جامعةٍ عجزت حتى عن تغطية عمرو موسى نفسه، فكيف بها أن تُظلّ جميع العرب؟!
ومن أسباب نجاحها أيضًا غياب ما يُسمّى بـ«الدول المعتدلة»—عفواً، أقصد «دول الخيانة»—التي لم تكن حاضرة لتُفسد القمة كما اعتادت أن تفعل في القمم السابقة طوال عقود.
يبدو أن إسرائيل وبوش قد أخطأا خطأً فادحًا—كما يفعلان دائمًا—حين منعا بعض القادة من الحضور، ظنًّا منهما أن ذلك سيحرم القمة من لقب «القمة». لكن الحقيقة أن ما جعلها قمةً لم يكن الاسم، بل الفعل. لقد نسيا—كما ينسَيان دائمًا—أن التاريخ يحكم على الأفعال بنتائجها، لا بالأسماء التي تُلصَق بها.
لقد أُنشئت جامعة الدول العربية في الأصل لدعم الدول الأعضاء ورفع الظلم عنها حين يحلّ بها.
لكن إن كانت هذه الجامعة نفسها قد أصبحت عبئًا على تلك الدول؛
وإن كانت قد زادت من أزماتها بدل أن تخففها؛
وإن كانت قد تحولت إلى أداةٍ تُستخدم للضغط على الضعفاء ومحاصرتهم؛
وإن كانت قد أثبتت عجزها المتكرر عن الدفاع عن أعضائها أو الوقوف إلى جانبهم ساعة الشدة؛
فإن علينا أن نمتلك الشجاعة لنعلن وفاتها.
عندما يحمل دم رئيس فنزويلا من الكرامة العربية أكثر مما يحمله دم بعض قادتنا المزعومين…
عندما يضحي الرئيس الإيراني بنفسه دفاعًا عن الحقوق الفلسطينية أكثر مما يفعله الرئيس عباس نفسه…
عندما يصرّ الرئيس مبارك على إغلاق المعابر، ويلقي باللوم على حماس في الأزمة، ويستمرّ في خنق شعب غزة بأكمله…
عندما يطالب بعض قادتنا بـ«هدنة متبادلة»، فيسوّون بين المحتلّ والمقاوم…
عندما… عندما… عندما نرى ونسمع كل ما نراه ونسمعه يومًا بعد يوم…
هل بقي أحدٌ لا يزال يظن أننا مخطئون في إعلاننا وفاة جامعة الدول العربية؟
إنني حقًّا آمل أن نكون مخطئين.
المهندس حسّان دالاتي
١٧ يناير ٢٠٠٩
