نحن والتاريخ

نحن والتاريخ

رؤى وآراء بسم الله الرحمن الرحيم فلقد طرح علي محرر موقع عائلى الدالاتي الفاضل الأستاذ عماد الدالاتي أبو جودت ورقتين صغيرتين في الحجم عظيمتين في المهمة والمحتوى, وذلك لعمقهما الفكري ونبرتهما التنويرية وروحهما الغيورة على واقع الأمة الفكري, وأمراضها , وعلى تاريخها بكل مافيه في محاولة لإعادة قراءة التاريخ قراءة مستوعبة غير مجتزأة ترى فيه تاريخا بشريا قابلا للتطبيق وليس صورة ناصعة البياض, أو مدينة أفلاطونية المعنى سريالية الروح، ولقد ارتأيت أن أجيب عنها مجتزأة، حسب مقتضيات الحالة الفكرية وأولويات المرحلة.

س1: في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين العرب والمسلمون الذين يرون في الماضي كل ما هو جميل, وخير, ولا يرون في الحاضر إلا تشويها لهذا الماضي الجميل ماذا تقول لهم؟

أبادر فأقول :في قراءة تاريخنا وصفحاته المليئة بالأحداث حلوها ومرها نجد لزاما علينا التوقف عند عدة نقاط أساسية, تورط فيها بعض مؤرخينا وخاصة المعاصرين, وأعانهم عليها قوم آخرين :

1-إن مثالية المؤرخين شوشت رؤيتنا للتراث, فلقد عمدنا في العقود الستة الأخيرة إلى استخراج صور ناصعة البياض من تاريخنا في محاولة منا لدفع الإستلاب الحضاري الذي كان يتهدد كياننا, في محاولة منا للحفاظ على الهوية التي حاول المستشرقون تشويهها, ثم التفتنا فوجدنا أنفسنا أمام تاريخ ملائكي الأحداث ,وزاد في ذلك نبرة الوعظ التي سادت بعض الفترات .هذه النظرة المبتسرة للتاريخ جعلت منه مثالا غير قابل للتطبيق, وبالتالي جاء الخالفون فاحتقروا أنفسهم لأنهم لم يروا ذاتهم بتلك الصورة التي كونوها عن الماضي وأهله ,وهذا يتعارض مع صريح القرآن الذي أشارأن ممن ورثوا الكتاب أقوام ليسوا على قدر المسؤولية (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات).

2-إن التوظيف الواسع للتاريخ أدى ومازال بالأفراد والجماعات إلى الشرذمة والإنقسام لأنه كان يتم في كثير من الأحيان للهروب من الإجتهاد, ولتسويغ الركون إلى بديل جاهز, وهو التاريخ, وبالتالي فهو قادر على إعطائنا الحلول لجميع المشكلات و مهمتنا البحث والتنقيب ليس إلا, وهذه نظرة غير دقيقة فإن الاجتهاد لازم لكل عصر احتاجت إليه الأمة, ولاينبغي أن نستعير حلول أزمان مضت لنصوغ منها حلا لمشاكلنا المعقدة في عالم اليوم الذي تتسارع فيه المعلومة تسارع الضوء. واللافت أن الإسلام تجاوز عن الخطأ في العمل إلا أنه أثاب عليه في مجال إعمال العقل, وهو الاجتهاد فقال (ص):(إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر).

3-إن استيعاب التراث شرط لاستيعاب العصر:إذ إن تولي الآخرين لقيادة العصر أوقع المعزولين عنه في صراع مع ماضيهم فمنهم من رأى الاندماج في الحضارة ,ومنهم من ذهب إلى التلفيق, وكل ذلك لايؤدي إلى فهم العصر . كما لايؤهل للمشاركة في صناعته. والطريقة الأقصر لذلك هو استيعاب التراث بصورة لاانتقائية, وإعمال المنهج الرباني في هذا التراث وصوره ثم لنخلص إلى حصر معطياته العامة جيدها ورديئها ,وتكوين مرجعية حضارية خاصة قوامها هدي الاسلام ليتم التعامل مع هذا العصر من منظورها بثقة وانفتاح وفاعلية .

4- إن كثيرا منا يذكر الماضي بصورة جيدة لكنه يمر على دروسه بسرعة غريبة : لايخفى على أحد أن علاقتنا بالماضي علاقة حفظ وتذكر, لاعلاقة اعتبار وتدبر, فالفتن التي ميزت تاريخنا السياسي لم تنل منا ما تستحقه من التأمل والتحليل, وكنا نردها باستمرار إلى اتباع الهوى, أو قلة التقوى, أو دسائس الأعداء, أو حدوث فتنة , وهكذا اختصرنا أحداثا عظاما في كلمات قليلة ,وربما تملكتنا الدهشة في حصول ذلك في خير أمة أخرجت للناس, فصرنا إلى القول إن ماذكر ليس بصحيح, وبذلك نكون كمن لاماضي له ولاتاريخ !!ولعل ذلك يعود إلى أن من ضرائب التخلف فقد الحس, والحدس التاريخي .

 5-إن التاريخ الإسلامي ليس هو الإسلام :بوسعنا أن نقولها لكي نجنب الإسلام الناصع اصابات تاريخية, وحماقات تراثية ارتكبها من مثَل الإسلام في مرحلة من تاريخنا, ونصبح مضطرون للدفاع عن أولئك الخطائين في غمرة دفاعنا عن الإسلام , وبوسعنا أن نقول: إن المنهج المعصوم هوما جاء في الكتاب والسنة ,أما الممارسات التاريخية فلا تمثل الإسلام ويجب أن نكون صريحين مع أنفسنا ونسمي الأشياء بمسمياتها.

رامي محمد الدالاتي (أبوحذيفة)

2010-03-25

Add Your Comment

You need to login to contact with the Listing Owner. Click Here to log in.

4 محارف على الأقل